05 May 2012

التظاهر وحقوق الإنسان في ظل حالة العبث المصري


ماكادت تنتهي احداث العباسية الأخيرة حتى بدأت التصريحات واللقاءات والتحليلات ونظريات المؤامرة بالظهور في سماء السياسة المصرية العبثية. لن أتطرق للآراء المختلفة فيما حدث, لكن لم تكن احداث العباسية الاولى في سلسلة احداث مابعد الثورة. من ماسبيرو للعباسية مرورا بمحمد محمود, هو هو نفس السيناريو في كل مرة. تختلف الأسباب وربما الشخصيات ولكن السيناريوهات والنتائج متطابقة! وهنا تكمن الكارثة التي تظهر فشل الدولة المصرية والقوى السياسية والثورية. لذلك, أحمل كل الأطراف مسئولية كل مايحدث ولاانحاز الا للحق الذي يصعب رؤيته في ظل هذه الفوضى, وتضيع الحقيقة في ظل عبث الساسة والاعلاميين.

نحن يا سادة ندور في حلقة مفرغة, وما يزيد الطين بلة هو عدم رؤية المشكلة الحقيقية والعجز عن طرح حلول للمشكلة. وبمنتهى البساطة نحن ندفع ثمن عدم وجود معايير وقواعد  لأي شيء في مصر, بما فيها الممارسة السياسية. 

بعد حدوث مايسمى بثورة يناير, تفتق ذهن المصريين إلى أن الوسيلة الوحيدة لإسترداد الحق هي التظاهر أو الاعتصام. بل ذهب البعض إلى ماهو أبعد من ذلك باستخدام حق التظاهر والاعتصام بشكل تعسفي للمطالبة بأكثر مما يستحق. وكانت النتيجة الطبيعية لذلك هو اسهال المظاهرات والاعتصامات الذي لا ينتهي في مصر. قد يعتبر البعض ان هذه ظاهرة صحية وان الشعب المصري بات أكثر وعيا من زي قبل. 
ولكن اختلف مع هذا الطرح لسبب وهو ان التظاهر حق من حقوق الإنسان التي لا يختلف عليها انسان عاقل, ولكن شأنه شان جميع الحقوق, يجب ممارسته بلا تعسف وبلا ضرر بحقوق الآخرين. ولترجمة تلك النظرية إلى واقع عملي, لابد ان تتفق جميع الأطراف.

لا مفر من وضع ضوابط لممارسة حق التظاهر والاعتصام. لابد من تحديد نطاق هذه الممارسة في قواعد شفافة تحقق الغاية دون ضرر أو تعدي على حقوق الآخرين أو إخلال بالأمن القومي.
لا مفر من تعريف حدود حق التظاهر وسبل مكافحة تجاوزات هذه الحدود في اطار من النسبية.
أي انه لا يعقل ان تقوم أي مجموعة بالتظاهر في أي مكان وأي زمان, ولا يعقل أيضًا ان يقوم العاملين بالمرافق الحيوية للدولة (كالمستشفيات أو الاسعاف مثلا) بإضراب يؤدي إلى عدم توفير احتياجات المواطن من علاج وتدهور حالات كثيره قد تصل إلى الوفاة! 
الكثير من الدول (كفرنسا مثلا) ذهبت إلى تحديد الاضرابات عن طريق تطبيق مايسمى بالحد الأدني من الخدمة, أي انه يمنع إن يقوم كل العاملين بقطاع معيَّن بإضراب كامل, والإكتفاء باضراب جزئي لضمان ان يحصل المواطن على حد ادني من الخدمة. ناهيك عن الزامية اخطار الجهات المختصة بالاضراب أو المظاهرة وتحديد مكانها وزمانها وموضوعها, وذلك من اجل الإعلان عنها للجمهور مسبقا و من اجل تأمينها وتأكيد عدم خروجها عن محتوى الإخطار. وإذا اعترضت الجهات الأمنية على التظاهرة (لأسباب امنية مثلا), يفصل في ذلك القضاء الإداري الذي يتحقق من جدية سبب الاعتراض.
في ظل هذا الإطار التنظيمي الواضح لحق التظاهر, من السهل رصد التجاوزات إن حدثت وتطبيق القانون على المتظاهرين المخالفين.

على صعيد أخر, لا يعقل لا ان يتظاهر الناس امام وزارة الدفاع ويبدأوا بإلقاء الحجارة على العساكر ثم يقوم العساكر بالرد عليهم بنفس الطريقة! يجب تحديد كل تجاوز وتحديد طريقة التعامل معه, القاء الحجارة لا يصح ان يساوى بإطلاق النار مثلا.
بالاضافة إلى ذلك, لابد من تدريب قوات الأمن على طريقة التعامل مع المتظاهرين وطرق فض الاعتصامات بأقل ضرر ممكن عند حدوث تجاوزات من المتظاهرين, مع التأكيد على عدم استخدام أي عنف غير مبرر أو غير متناسب مع حجم التجاوز. ويفضل ان تكون هناك وحدات خاصة من الشرطة للتعامل مع المظاهرات, فلا يعقل ان يكون ضابط الأمن المركزي هو نفسه من يتعامل مع مسلحين في يوم ويتعامل مع متظاهرين في يوم آخر. أيضًا في ظل تحديد المهام وطرق التعامل مع المظاهرات بشكل واضح ومعرف في القانون تفصيلا, يسهل رصد تجاوزات أي فرد من أفراد الأمن وتقديمه للعدالة في حالة تجاوزه.

أنا اتحدث عن الموضوع بشكل سطحي بالتأكيد, حيث ان موضوع معقد كهذا يحتاج إلى مناقشات تفصيلية من قبل المختصين للوصول إلى صيغة تناسب الأوضاع الحالية بمصر. لكن الكارثة هي حالة الإنكار أو الجهل بهذا الموضوع من قبل نخبتنا السياسية والإعلامية, وافتراض اننا نعيش في المدينة الفاضلة وتوقع ان يقوم كل طرف بضبط نفسه دون نظام يحكمه!

دامت مصر سالمة.