08 December 2012

عسكر ولا اخوانجية؟

تمر مصر بأزمة قد تكون الأصعب والأكثر تعقيدا في تاريخها الحديث. لدينا جماعة الإخوان المسلمين والإسلاميين الذين يتطلعون إلى تحقيق حلمهم الشمولي الإسلامي وأستاذية العالم من ناحية وحشد جماهيري رهيب من المعارضة المطالبة برحيل مندوبهم في الحكم, محمد مرسي, من ناحية أخرى.
معارضي التيارات الإسلامية يفتقدون إلى شيئان في غاية الأهمية في مواجهة منافسيهم: فهم ايديولوجية الإسلاميين, وطرح البديل.
حتى تستطيع مواجهة منافسك يجب أن تفهم اولا كيف يفكر وبناءا عليه تقرر سبل المواجهة ومن ثم تطرح البديل.الإخفاق في فهم التيارت الإسلامية ترتب عليه الكثير من الأخطاء التي وقعت فيها القوى السياسية "المدنية" منذ 25 يناير 2011 وحتى هذه اللحظة. لن أسرد هذه الأخطاء منذ بداية الثورة حتى الأن لأنني أعتقد انها أصبحت واضحة وضوح الشمس وكيف أن الإسلاميين إستطاعوا إستثمار هذه الأخطاء في صالحهم لدرجة جعلت من القوى المدنية تخدم مصالحهم في كل مرحلة من مراحل الثورة والفترة الانتقالية. لكن سأكتفي فقط بسرد الخطأ الذي تقع فيه القوى المدنية في الأزمة الراهنة. إندهشت القوة المدنية من رد الفعل العنيف للإسلاميين يوم الأربعاء الماضي (5 ديسمبر). مما يدل عن خطأ جسيم في فهم فكر هذه الجماعات. أن التيارات الإسلامية ترفض أدنى معارضة لها, فهي تعتبر نفسها حامي الإسلام وأن من يعارض مشروعها الإسلامي كافر أو مضلل ومحاربا للإسلام وعقوبته القتل أو النفي. ولعل كتابات حسن البنا وسيد قطب - أهم المراجع الفكرية الحديثة للتيارات الإسلامية- أكبر دليل على ذلك. ولعل تاريخهم المليء بالدماء اكبر دليل على ذلك. إن فكر الإسلام السياسي قائم على الشمولية التي ترفض أي تنوع فكري أو ثقافي أو سياسي في المجتمع "درأ للفتن". فكر قائم على التوحد في كل شيء: الملبس, المأكل, الفكر, الثقافة, أسلوب الحياة, اللغة, الدين, الخ... وأي خارج عن النظام المحدد سلفا يعتبر تهديدا لشموليتهم, قد يؤدي لاقتناع الناس به ومن ثم تمرد الناس عليهم ومن ثم فقدان سيطرتهم وسلطاتهم. ولعل تأيدهم لحكم قتل المرتد عن الإسلام -وهو حكم عليه خلاف فقهي - أكبر دليل على شموليتهم وتحصين أنفسهم من انفراط العقد منهم. والشمولية هنا تختلف عن السلطوية التي يتميز بها نظام مبارك. ثم يأتي بعد ذلك من يشبه التيارات الإسلامية بنظام مبارك الذي لا ايديولجية له! إن نظام حسني مبارك ولحزب الوطني لم يكن قائما على أي أساس ايديولوجي - بل على أساس تحالفات مصالح اقتصادية - سقط بسهوله في 18 يوم مظاهرات لسبب بسيط. وهو أن تماسك المصالح اضعف بكثير من التماسك الأيدولوجي, لأن المصلحة تبحث عن البديل الأقوى والأكثر ضمانة لها, عكس الايديولوجية التي تحارب دوما من أجل بقائها حتى النهاية.
على سبيل المثال, ما الذي يجعل ضابط الأمن المركزي -عديم الأيديولوجية- أن يحارب جحافل من المتظاهرين يوم 28 يناير من أجل نظام يبدو ضعيفا ومتأرجحا امام هذه الهجمة الشرسة؟ فكانت النتيجة أنه تراجع أمام الرياح العاتية حفاظا على حياته ومنصبه حتى يرى من سيربح المعركة ليقدم له فروض الولاء. أما لو كان هذا الضابط مسيسا وصاحب قضية/ايديولوجية لكان حرب حتى النهاية دفاعا عن بقاؤه وبقاء أيديولوجيته, لأنه لو خسر المعركة قد يخسر حياته ومنصبه بسبب انتماؤه للأيديولوجية التي ستكون محاربة من النظام الجديد وهذا هو حال الحرس الثوري الإيراني على سبيل المثال.
 للتذكرة: شعار جماعة الإخوان المسلمين هو "الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".
هل في ظل كل هذه المعطيات التي تختلف عن معطيات نظام مبارك نعتقد أن وسيلة مواجهة الإخوان هي نفس طريقة مواجهة الحزب الوطني؟
من سيستطيع محاربة ميليشيات الإخوان وقمع ما لا يقل عن نصف مليون بني أدم مستعد يدافع عن أيديولوجيته حتى الموت في سبيل الجنة؟ هل تعتقدون أن التيارات الإسلامية ستستسلم عن المواجهة وتترك مشروعها الشمولي الإسلامي ينهار امام أعينها بعد 80 عاما من النضال؟هل تعتقدون انه لو رحل مرسي -فرضا- ستصمت التيارات الإسلامية وتسلم بهزيمتها؟ ماحدث يوم الأربعاء مجرد "قرصة ودن" ولو أستمر الحال على هذا الشكل "سيغضب الحليم" وما أدراك وما غضب الإسلاميين, وهنا أذكركم بـحوادث التسعينيات الإرهابية التي ذبح فيها المئات من المدنيين العزل -أشهرهم المفكر فرج فودة- بلا شفقة ولا رحمة.
وهنا يكون السؤال, لو لجأ الإسلام السياسي للقتال المسلح كأخر كارت لمواجهة تزايد الحشد الجماهيري ضده وحماية مشروعه "المقدس" من سيستطيع مواجهته؟ هل لدى أي من قوى المعارضة ميليشيات مسلحة لمواجهة ميليشيات الإسلاميين؟ لو كانت الإجابة بنعم إذن سنكون بصدد حرب أهلية لا نعلم متى وكيف ستنتهي. أما لو كانت الإجابة بلا -وهي الأرجح - إذن سنكون بصدد حرب شوارع دامية تزهق فيها الكثير من الأرواح لكن ستنتهي بإنتصار الطرف الاقوى والأكثر تنظيما: الإسلاميين. حينها سيولد نظاما اسلاميا قمعيا إلى درجة لا يمكن أن تتخيلها في أسوأ كوابيسك.

كيف يمكن إذن مواجهة ذلك؟ الاجابة للأسف الشديد: "حكم العسكر"! إذا انفلت عيار العنف ضد المعارضة في الشارع لن يكون خلاصها إلا بيد الجيش لأنه القوة الوحيدة في مصر التي لديها من إمكانات لمواجهة الجماعات المسلحة والتصدي لها. ولكن سيكون ذلك على حساب "الديمقراطية" التي نادت بيها ثورة 25 يناير. لأنه لا ديمقراطية في ظل أجواء من العنف الذي لا سبيل لمواجهته إلا القمع كما كان في الماضي! وهنا تأتي المعضلة, هل ستقبل القوة السياسية "حكم العسكر" بعد أن نادت بزواله طيل فترة العام والنصف التي تلت الثورة؟
حتما سيقول البعض -وأنا اولهم- لا لحكم العسكر ولا للدولة الدينية, لكن هل فعلا لدينا خيارات أخري؟ أم أنه مقدر لنا دائما أن نختار بين خيارين احلاهما مر؟ ستظل هذه الأسئلة قائمة حتى تطرح القوى المدنية "بديل" حقيقي عن طريق حلول عملية لمشاكل المواطن ذات أساس أيديولوجي تسوقه شعبيا.