الثورة... تلك الكلمة التي تحولت إلى واقع نعيشه في مصر يراه البعض مرا ويراه البعض الآخر حلوا.
منذ ان بدأ الحشد ليوم 25 يناير 2011 ونحن لم نكن نؤيد هذه الثورة, ليس حبا في نظام مبارك الذي كنا نعارضه
بإستمرار, ولكن كرها في ان تؤدي هذه الثورة إلى اعادة إنتاج نظام ديكتاتوري أكثر شراسة.
اختلافنا
الاساسي مع الثوار هو شخصنة مشاكل مصر, أي اختصارها في عدة أشخاص
أو
مباني يجب الإطاحة بهم حتى يعم
الرخاء والحرية في ربوع المحروسة. حيث اننا نرى ان مشاكل مصر هي مشاكل مؤسسية بالدرجة الأولى أدت إلى الفساد والدكتاتورية .
الاطاحة بمجموعة الأشخاص- من يطلق عليهم رجال النظام البائد – غير كافي لأن
مؤسسات الدولة المصرية المشوهة كفيلة لإعادة إنتاج نظام ديكتاتوري مهما تغيرت الأشخاص وذلك حتى لو أتينا بملائكة لإدارة البلد.
وقد يتحول النظام المعاد انتاجه إلى نظام أكثر قمعية وأكثر صعوبة لازالته لانه سيتعلم من ثغرات الماضي التي أطاحت به.
مثالا على ذلك هو نظام عبدالناصر الذي اتى بإنقلاب عسكري على الملك وعمل على اعادة هيكلة المؤسسة العسكرية بحيث يصعب تكرار سيناريو الإنقلاب العسكري واصبح ذلك من رابع المستحيلات في مصر.
لذلك نحن نلوم على الثوار في تشخيصهم للمرض الذي اصاب جسد الوطن منذ عقود . الثوار غايتهم نبيلة نتطلع إليها جميعا ولكن وسيلتهم الخاطئة
قد
تأتي بنتائج عكسية!
لقد نادى الثوار برحيل مبارك فـرحل مبارك وأتى المجلس العسكري- الذي يطالبون برحيله الان- والذي سيرحل بدوره ليأتي رئيس جديد منتخب(الذي لن يرضيهم أيضًا). لقد نادى الثوار برحيل أحمد شفيق وأتى التحرير بعصام شرف ثم انقلب عليه ليأتي الجنزوري. أكبر دليل على ان المشكلة مؤسسية هو ان شرف الذي كان يمثل الثوار لم يرقى إلى تطلعات الشعب
والتحرير.
لقد نادى الثوار بحل الحزب الوطني الذي احتكر
مجلس
الشعب ثم أتى الإسلاميون ليحتكروا
مجلس
الشعب بنسبة أكثر من 70% أيضًا!
ناهيك عن المطالب بتطهير مؤسسات الدولة مما يسمى الفلول أو بقايا النظام التي ستكون مبرر ومدخل للقيادة السياسية الجديدة (الاسلاميين) لتأتي برجالها (الفلول الجدد) للسيطرة على مصر!
المشكلة ليست شرف ولا شفيق ولا مبارك ولا العسكري ولا الحزب الوطني ولا الإخوان ! المشكلة في أدوات الحكم في مصر: مؤسسات الدولة وقوانينها ونظامها.
أدوات الحكم هذه إذا أتيحت بهذا الشكل لملاك لكان فسد لأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة!
على سبيل المثال وليس الحصر,
انتقد الكثيرون دستور 1971 واعتبروا أنه يعطي سلطات شبه مطلقة لرئيس الجمهورية وهذا عار تماما من الصحة! يكفي القاء نظرة على دساتير الدول الرئاسية /البرلمانية مثل فرنسا, لوجدنا ان سلطات رئيس الجمهورية هناك لا تختلف كثيرا عن سلطات رئيس الجمهورية في دستور 71 المصري!
لماذا
إذًا كان لدينا هذا الإنطباع؟
ببساطة هذه السلطات المطلقة هي "توجيهات السيد الرئيس"! يكفي ان يصدر السيد الرئيس توجيهاته شفاهة لأي مسئول لتنفيذ أمر معين حتى يهرول هذا المسئول لتنفيذ هذا الأمر في أسرع وقت ممكن على الرغم من ان هذا لا يقع في نطاق صلاحيات الرئيس الدستورية والقانونية! اذكر مثلا توجيهات مبارك -التي كررها مرارا - للاسراع بإلغاء سيارات النقل المقطورةرغم أن هذا ليس من سلطاته!
ببساطة هذه السلطات المطلقة هي "توجيهات السيد الرئيس"! يكفي ان يصدر السيد الرئيس توجيهاته شفاهة لأي مسئول لتنفيذ أمر معين حتى يهرول هذا المسئول لتنفيذ هذا الأمر في أسرع وقت ممكن على الرغم من ان هذا لا يقع في نطاق صلاحيات الرئيس الدستورية والقانونية! اذكر مثلا توجيهات مبارك -التي كررها مرارا - للاسراع بإلغاء سيارات النقل المقطورةرغم أن هذا ليس من سلطاته!
إن نظام الحكم في مصر يؤدي عمليا إلى تجاوز السلطات بشكل غير مباشر .. يكفي ان تكون على قمة الهرم وتأتي برجالك في كل مناصب الدولة حتى تسيطر بشكل تام على الدولة المركزية الفرعونية.
نحن ندعي اننا نعيش ازهى عصور الديمقراطية في مصر بعد الثورة.. عذرا يا سادة نحن واهمون!
للديمقراطية آليات وضوابط وضمانات غير متوفرة بالمرة في ظل وجود نظام الحكم في مصر. الديمقراطية ليست مجرد انتخابات حرة تحدث مرة-
تحت
ضغط شعبي- قد تكون الأخيرة!
عن أي ديمقراطية نتحدث دون وجود حرية صحافة حقيقية؟ نعم لايوجد حرية صحافة
أو
رأي في مصر ويكفي القاء نظرة على القوانين المتعلقة بما يسمى بـجرائم النشر التي يتم التغاضي عنها حاليا ولكن قد تفعل في أي وقت. ناهيك عن الصحف الحكومية -الأوسع انتشارا- التي تتبع السلطة التنفيذية والقيادة السياسية أيا كانت؟
أين حرية
الإعلام في ظل احتكار الإعلام الحكومي؟ وحتى الفضائيات التي تتمتع بقدر من الحرية
اليست
مرتبطة بشركة النايل سات التي تتبع الحكومة؟
عن أي ديمقراطية نتحدث دون وجود حرية نقابية حقيقية! الحرية النقابية ليست فقط انتخابات النقابات المركزية-المنشأة على النمط السوفيتي- التي ادت إلى اكتساح تيار
سياسي
واحد )الاخوان)؟ اين حرية إنشاء النقابات؟
اين حرية إنشاء الجمعيات
الأهلية؟
ماذا عن مركزية الدولة
واجهزتها التي تؤدي إلى سيطرة كاملة من السلطة التنفيذية؟ ماذا عن انتخاب العمد والمحافظين؟ ماذا عن قوانين المجالس المحلية المشوهة التي تؤدي إلى سيطرة العمدة أو المحافظ دون رقيب حتى لو أنتخب؟
ماذا عن استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية؟
ماذا عن استقلال الجهات الرقابية عن السلطة التنفيذية؟ كيف نتوقع مثلا من جهاز حماية المستهلك ان يكون مستقلا وهو يتبع وزير التجارة اداريا ويرأسه لواء؟
ماذا عن استقلال الجهات الرقابية عن السلطة التنفيذية؟ كيف نتوقع مثلا من جهاز حماية المستهلك ان يكون مستقلا وهو يتبع وزير التجارة اداريا ويرأسه لواء؟
كيف نتحدث عن القضاء على الفساد المالي بالدولة ونحن لدينا دولة متشعبة في داخل الإقتصاد وتتحكم فيه؟
نتحدث عن ازمة الوقود دون البحث عن سببها الرئيسي: الدعم ومركزية التوزيع. يتهم البعض المجلس العسكري والحكومة في التسبب بأزمة الوقود , ولماذا تعتقد إنه لو أتى أشخاص أخرون للسلطة لن يستخدمه هذا السلاح – إن وجد ؟ هل تعتقد ان لو لم تكن الدولة مسيطرة على الوقود لكانت استطاعت استخدام هذا السلاح؟
نتحدث عن ازمة الوقود دون البحث عن سببها الرئيسي: الدعم ومركزية التوزيع. يتهم البعض المجلس العسكري والحكومة في التسبب بأزمة الوقود , ولماذا تعتقد إنه لو أتى أشخاص أخرون للسلطة لن يستخدمه هذا السلاح – إن وجد ؟ هل تعتقد ان لو لم تكن الدولة مسيطرة على الوقود لكانت استطاعت استخدام هذا السلاح؟
ماذا عن كل هذا
وغيرها الكثير من الأمثلة التي لن اتمكن من حصرها في هذا المقال؟؟؟
اليست هذه الادوات كفيلة لإعادة إنتاج نظام ديكتاتوري آخر؟ اليست هذه الأدوات إذا توفرت
لأي قيادة سياسية -بغض النظر عن انتمائها السياسي- قد تؤدي إلى احتكار السلطة وقمع المعارضة؟
جدير
بالذكر ان المعارضة الحرة هي أحد أهم اركان أي نظام ديموقراطي. يضحكني كثيرا من يقول
ان
الليبراليون – وأنا معترض على تعميم هذا المصطلح على غير الاسلاميين – قد كفروا بالديمقراطية لمجرد معارضتهم للأغلبية
الإسلامية. بل يتمادى البعض ويقول ان على الأقلية التزام الصمت واحترام الإرادة الشعبية!!! من اين اتيتم بهذا الهراء؟ من أساسيات الديمقراطية هو وجود معارضة حقيقية, ولها ان تعارض وتنتقد – بموضوعية أو غير موضوعية.
لماذا؟ لأن ذلك من شأنه الكشف عن سياسات الاغلبية وعرضها للنقاش وطرح الرؤى المختلفة,
لعل يغييرالناخب من رأيه في المرة القادمة ويختار رؤى تناسبه أكثر.
وبعيدا عن كل هذه المخاطر الجسيمة ينادي الثوار باسقاط اشخاص أو جدران بعينها ويتناسوا –عن قصد أو غير قصد -الفساد المؤسسي في الدولة المصرية الذي هو السبب الرئيسي فيما نحن فيه . يبحث الثوار عن الثأر والصدام مع الجيش فقط دون النظر إلى مصلحة الوطن العليا ينظرون تحت ارجلهم دون النظر إلى المستقبل. قد يكون ذلك نابع من حماس أواندفاع أو حسن نية ولكن كفانا اندفاعا وراء شعارات تؤدي بنا إلى الهاوية.
الحل ليس في اسقاط
المجلس العسكري وبقايا النظام ولا الدولة .. الحل في اعادة هيكلة نظام الدولة.
لو وضع
الثوار الإصلاح
المؤسسي
)وليس التطهير) في مقدمة أولوياتهم وضغطوا على من في السلطة لتطبيقه, لتحققت الحرية والديمقراطية حتى لو رجع مبارك ورجاله إلى الحكم!
المفكر الليبرالي.